فصل: فصل قِصّةُ تَيَمّمِ ابْنِ الْعَاصِ مِنْ الْجَنَابَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل قِصّةُ تَيَمّمِ ابْنِ الْعَاصِ مِنْ الْجَنَابَةِ:

وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ احْتَلَمَ أَمِيرُ الْجَيْشِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَكَانَتْ لَيْلَةً بَارِدَةً فَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَاءِ فَتَيَمّمَ وَصَلّى بِأَصْحَابِهِ الصّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا عَمْرُو صَلّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟. فَأَخْبَرَهُ بِاَلّذِي مَنَعَهُ مِنْ الِاغْتِسَالِ وَقَالَ إنّي سَمِعْتُ اللّهَ يَقُولُ {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النّسَاءَ 29] فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا وَقَدْ احْتَجّ بِهَذِهِ الْقِصّةِ مَنْ قَالَ إنّ التّيَمّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمّاهُ جُنُبًا بَعْدَ تَيَمّمِهِ وَأَجَابَ مَنْ نَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا: أَنّ الصّحَابَةَ لَمّا شَكَوْهُ قَالُوا: صَلّى بِنَا الصّبْحَ وَهُوَ جُنُبٌ فَسَأَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ صَلّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ اسْتِفْهَامًا وَاسْتِعْلَامًا فَلَمّا أَخْبَرَهُ بِعُذْرِهِ وَأَنّهُ تَيَمّمَ لِلْحَاجَةِ أَقَرّهُ عَلَى ذَلِكَ.
الثّانِي: أَنّ الرّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ فَرُوِيَ عَنْهُ فِيهَا أَنّهُ غَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتَوَضّأَ وُضُوءَهُ لِلصّلَاةِ ثُمّ صَلّى بِهِمْ وَلَمْ يُذْكَرْ التّيَمّمُ وَكَأَنّ هَذِهِ الرّوَايَةَ أَقْوَى مِنْ رِوَايَةِ التّيَمّمِ قَالَ عَبْدُ الْحَقّ وَقَدْ ذَكَرَهَا وَذَكَرَ رِوَايَةَ التّيَمّمِ قَبْلَهَا ثُمّ قَالَ وَهَذَا أَوْصَلُ مِنْ الْأَوّلِ لِأَنّهُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ الْمِصْرِيّ عَنْ أَبِي الْقَيْسِ مَوْلَى وَالْأُولَى الّتِي فِيهَا التّيَمّمُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَبَا قَيْسٍ.
الثّالِثُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْلِمَ فِقْهَ عَمْرٍو فِي تَرْكِهِ الِاغْتِسَالَ فَقَالَ لَهُ صَلّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَلَمّا أَخْبَرَهُ أَنّهُ تَيَمّمَ لِلْحَاجَةِ عَلِمَ فِقْهَهُ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنّ مَا فَعَلَهُ عَمْرٌو مِنْ التّيَمّمِ- وَاللّهُ أَعْلَمُ- خَشْيَةَ الْهَلَاكِ بِالْبَرْدِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ وَالصّلَاةُ بِالتّيَمّمِ فِي هَذِهِ الْحَالِ جَائِزَةٌ غَيْرُ مُنْكَرٍ عَلَى فَاعِلِهَا فَعُلِمَ أَنّهُ أَرَادَ اسْتِعْلَامَ فِقْهِهِ وَعِلْمِهِ. وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي سَرِيّةِ الْخَبَطِ:

وَكَانَ أَمِيرُهَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَكَانَتْ فِي رَجَبَ سَنَةَ ثَمَانٍ فِيمَا أَنْبَأَنَا بِهِ الْحَافِظُ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمّدُ بْنُ سَيّدِ النّاسِ فِي كِتَابِ عُيُونِ الْأَثَرِ لَهُ وَهُوَ عِنْدِي وَهْمٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى. قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ إلَى حَيّ مِنْ جُهَيْنَةَ بِالْقِبْلِيّةِ مِمّا يَلِي سَاحِلَ الْبَحْرِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ خَمْسُ لَيَالٍ فَأَصَابَهُمْ فِي الطّرِيقِ جُوعٌ شَدِيدٌ فَأَكَلُوا الْخَبَطَ وَأَلْقَى إلَيْهِمْ الْبَحْرُ حُوتًا عَظِيمًا فَأَكَلُوا مِنْهُ ثُمّ انْصَرَفُوا وَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنّ فِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمّيَ جَيْشَ الْخَبَطِ فَنَحَرَ رَجُلٌ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمّ إنّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ فَأَلْقَى إلَيْنَا الْبَحْرُ دَابّةً يُقَالُ لَهَا: الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا نِصْفَ شَهْرٍ وَادّهَنّا مِنْ وَدَكِهَا حَتّى وَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَظَرَ إلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ فِي الْجَيْشِ وَأَطْوَلِ جَمَلٍ فَحُمِلَ عَلَيْهِ وَمَرّ تَحْتَهُ وَتَزَوّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرْنَا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ تُطْعِمُونَا؟ فَأَرْسَلْنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ فَأَكَلَ.

.تَرْجِيحُ الْمُصَنّفِ أَنّهَا قَبْلَ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَيْسَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ:

قُلْتُ وَهَذَا السّيَاقُ يَدُلّ عَلَى أَنّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ كَانَتْ قَبْلَ الْهُدْنَةِ وَقَبْلَ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنّهُ مِنْ حِينِ صَالَحَ أَهْلَ مَكّةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يَكُنْ يَرْصُدُ لَهُمْ عِيرًا بَلْ كَانَ زَمَنَ أَمْنٍ وَهُدْنَةٍ إلَى حِينِ الْفَتْحِ وَيَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ سَرِيّةُ الْخَبَطِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَرّتَيْنِ مَرّةً قَبْلَ الصّلْحِ وَمَرّةً بَعْدَهُ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي فِقْهِ هَذِهِ الْقِصّةِ:

لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ غَزَا فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا أَغَارَ فِيهِ وَلَا بَعَثَ فِيه سَرِيّةً فَفِيهَا جَوَازُ الْقِتَالِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ إنْ كَانَ ذِكْرُ التّارِيخِ فِيهَا بِرَجَبَ مَحْفُوظًا وَالظّاهِرُ- وَاللّهُ أَعْلَمُ- أَنّهُ وَهْمٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ إذْ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ غَزَا فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا أَغَارَ فِيهِ وَلَا بَعَثَ فِيهِ سَرِيّةً وَقَدْ عَيّرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ بِقِتَالِهِمْ فِي أَوّلِ رَجَبَ فِي قِصّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ فَقَالُوا: اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} الْآيَةَ [الْبَقَرَةَ 217] وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُ هَذَا بِنَصّ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَلَا أَجْمَعَتْ الْأُمّةُ عَلَى نَسْخِهِ وَقَدْ اُسْتُدِلّ عَلَى تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التّوْبَةَ 5] وَلَا حُجّةَ فِي هَذَا لِأَنّ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ هَاهُنَا هِيَ أَشْهُرُ التّسْيِيرِ الْأَرْبَعَةِ الّتِي سَيّرَ اللّهُ فِيهَا الْمُشْرِكِينَ فِي الْأَرْضِ يَأْمَنُونَ فِيهَا وَكَانَ أَوّلُهَا يَوْمَ الْحَجّ الْأَكْبَرِ عَاشِرَ ذِي الْحِجّةِ وَآخِرُهَا عَاشِرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ هَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي الْآيَةِ لِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا. وَفِيهَا: جَوَازُ أَكْلِ وَرَقِ الشّجَرِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ وَكَذَلِكَ عُشْبُ الْأَرْضِ. وَفِيهَا: جَوَازُ نَهْيِ الْإِمَامِ وَأَمِيرِ الْجَيْشِ لِلْغُزَاةِ عَنْ نَحْرِ ظُهُورِهِمْ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ خَشْيَةَ أَنْ يَحْتَاجُوا إلَى ظَهْرِهِمْ عِنْدَ لِقَاءِ عَدُوّهِمْ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الطّاعَةُ إذَا نَهَاهُمْ.

.جَوَازُ أَكْلِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ:

وَفِيهَا: جَوَازُ أَكْلِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ وَأَنّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدّمُ} [الْمَائِدَةَ 3] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [الْمَائِدَةَ 5] وَقَدْ صَحّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصّحَابَةِ أَنّ صَيْدَ الْبَحْرِ مَا صِيدَ مِنْهُ وَطَعَامَهُ مَا مَاتَ فِيهِ وَفِي السّنَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: أُحِلّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمّا الْمَيْتَتَانِ فَالسّمَكُ وَالْجَرَادُ وَأَمّا الدّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطّحَالُ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَذَا الْمَوْقُوفُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنّ قَوْلَ الصّحَابِيّ أُحِلّ لَنَا كَذَا وَحُرّمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَحْرِيمِهِ. فَإِنْ قِيلَ فَالصّحَابَةُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ كَانُوا مُضْطَرّينَ وَلِهَذَا لَمّا هَمّوا بِأَكْلِهَا قَالُوا: إنّهَا مَيْتَةٌ وَقَالُوا: نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ مُضْطَرّونَ فَأَكَلُوا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُمْ لَوْ كَانُوا مُسْتَغْنِينَ عَنْهَا لَمَا أَكَلُوا مِنْهَا. قِيلَ لَا رَيْبَ أَنّهُمْ كَانُوا مُضْطَرّينَ وَلَكِنْ هَيّأَ اللّهُ لَهُمْ مِنْ الرّزْقِ أَطْيَبَهُ وَأَحَلّهُ وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ قَدِمُوا: هَلْ بَقِيَ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَأَكَلَ مِنْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللّهُ لَكُمْ وَلَوْ كَانَ هَذَا رِزْقَ مُضْطَرّ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ ثُمّ لَوْ كَانَ أَكْلُهُمْ مِنْهَا لِلضّرُورَةِ فَكَيْفَ سَاغَ لَهُمْ أَنْ يَدّهِنُوا مِنْ وَدَكِهَا وَيُنَجّسُوا بِهِ ثِيَابَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا يُجَوّزُ الشّبَعَ مِنْ الْمَيْتَةِ إنّمَا يُجَوّزُونَ مِنْهَا سَدّ الرّمَقِ وَالسّرِيّةُ أَكَلَتْ مِنْهَا حَتّى ثَابَتْ إلَيْهِمْ أَجْسَامُهُمْ وَسَمِنُوا وَتَزَوّدُوا مِنْهَا. فَإِنْ قِيلَ إنّمَا يَتِمّ لَكُمْ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْقِصّةِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الدّابّةُ قَدْ مَاتَتْ فِي الْبَحْرِ ثُمّ أَلْقَاهَا مَيْتَةً وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّهُ كَمَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبَحْرُ قَدْ جَزَرَ عَنْهَا وَهِيَ حَيّةٌ فَمَاتَتْ بِمُفَارَقَةِ الْمَاءِ وَذَلِكَ ذَكَاتُهَا وَذَكَاةُ حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَلَا سَبِيلَ إلَى دَفْعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ كَيْفَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَجَزَرَ الْبَحْرُ عَنْ حُوتٍ كَالظّرِبِ قِيلَ هَذَا الِاحْتِمَالُ مَعَ بُعْدِهِ جِدّا فَإِنّهُ يَكَادُ يَكُونُ خَرْقًا لِلْعَادَةِ فَإِنّ مِثْلَ هَذِهِ الدّابّةِ إذَا كَانَتْ حَيّةً إنّمَا تَكُونُ فِي لُجّةِ الْبَحْرِ وَثَبَجِهِ دُونَ سَاحِلِهِ وَمَا رَقّ مِنْهُ وَدَنَا مِنْ الْبَرّ وَأَيْضًا فَإِنّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي الْحِلّ لِأَنّهُ إذَا شُكّ فِي السّبَبِ الّذِي مَاتَ بِهِ الْحَيَوَانُ هَلْ هُوَ سَبَبٌ مُبِيحٌ لَهُ أَوْ غَيْرُ مُبِيحٍ؟ لَمْ يَحِلّ الْحَيَوَانُ كَمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الصّيْدِ يُرْمَى بِالسّهْمِ ثُمّ يُوجَدُ فِي الْمَاءِ وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ فَإِنّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك فَلَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ الْبَحْرِيّ حَرَامًا إذَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يُبَحْ. وَهَذَا مِمّا لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنِ الْأَئِمّةِ. وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ النّصُوصُ مَعَ الْمُبِيحِينَ لَكَانَ الْقِيَاسُ الصّحِيحُ الْمَيْتَةَ إنّمَا حُرّمَتْ لِاحْتِقَانِ الرّطُوبَاتِ وَالْفَضَلَاتِ وَالدّمِ الْخَبِيثِ فِيهَا وَالذّكَاةُ لَمّا كَانَتْ تُزِيلُ ذَلِكَ الدّمَ وَالْفَضَلَاتِ كَانَتْ سَبَبَ الْحِلّ وَإِلّا فَالْمَوْتُ لَا يَقْتَضِي التّحْرِيمَ فَإِنّهُ حَاصِلٌ بِالذّكَاةِ كَمَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهَا وَاذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَيَوَانِ دَمٌ وَفَضَلَاتٌ تُزِيلُهَا الذّكَاةُ لَمْ يُحَرّمْ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ لِحِلّهِ ذَكَاةٌ كَالْجَرَادِ وَلِهَذَا لَا يُنَجّسُ بِالْمَوْتِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كَالذّبَابِ وَالنّحْلَةِ وَنَحْوِهِمَا وَالسّمَكُ مِنْ هَذَا الضّرْبِ فَإِنّهُ لَوْ كَانَ لَهُ دَمٌ وَفَضَلَاتٌ تَحْتَقِنُ بِمَوْتِهِ لَمْ يَحِلّ لِمَوْتِهِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَوْتِهِ فِي الْمَاءِ وَمَوْتِهِ خَارِجَهُ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ مَوْتَهُ فِي الْبَرّ لَا يُذْهِبُ تِلْكَ الْفَضَلَاتِ الّتِي تُحَرّمُهُ عِنْدَ الْمُحَرّمِينَ إذَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ لَكَانَ هَذَا الْقِيَاسُ كَافِيًا وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي الْوَقَائِعِ فِي حَيَاتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي الْوَقَائِعِ فِي حَيَاةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِقْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنّ هَذَا كَانَ فِي حَالِ الْحَاجَةِ إلَى الِاجْتِهَادِ وَعَدَمِ تَمَكّنِهِمْ مِنْ مُرَاجَعَةِ النّصّ وَقَدْ اجْتَهَدَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِدّةٍ مِنْ الْوَقَائِعِ وَأَقَرّهُمَا عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ فِي قَضَايَا جُزْئِيّةٍ مُعَيّنَةٍ لَا فِي أَحْكَامٍ عَامّةٍ وَشَرَائِعَ كُلّيّةٍ فَإِنّ هَذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصّحَابَةِ فِي حُضُورِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَتّةَ.

.فَصْلٌ فِي الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ:

الّذِي أَعَزّ اللّهُ بِهِ دِينَهُ وَرَسُولَهُ وَجُنْدَهُ وَحِزْبَهُ الْأَمِينَ وَاسْتَنْقَذَ بِهِ بَلَدَهُ وَبَيْتَهُ الّذِي جَعَلَهُ هُدًى لِلْعَالَمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَهُوَ الْفَتْحُ الّذِي اسْتَبْشَرَ بِهِ أَهْلُ السّمَاءِ وَضَرَبَتْ أَطْنَابُ عِزّهِ عَلَى مَنَاكِبِ الْجَوْزَاءِ وَدَخَلَ النّاسُ بِهِ فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجًا وَأَشْرَقَ بِهِ وَجْهُ الْأَرْضِ ضِيَاءً وَابْتِهَاجًا خَرَجَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكَتَائِبِ الْإِسْلَامِ وَجُنُودِ الرّحْمَنِ سَنَةَ ثَمَانٍ لِعَشَرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنٍ الْغِفَارِيّ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: بَلْ اسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُمّ مَكْتُومٍ.

.سَبَبُهُ هُوَ إعَانَةُ قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ الدّاخِلَةِ فِي عَهْدِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَكَانَ السّبَبُ الّذِي جَرّ إلَيْهِ وَحَدَا إلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ إمَامُ أَهْلِ السّيَرِ وَالْمَغَازِي وَالْأَخْبَارِ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَنّ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ ابْنِ كِنَانَةَ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ وَهُمْ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ: فَبَيّتُوهُمْ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ وَكَانَ الّذِي هَاجَ ذَلِكَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَضْرَمِيّ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ خَرَجَ تَاجِرًا فَلَمّا تَوَسّطَ أَرْضَ خُزَاعَةَ عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَالَهُ فَعَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي خُزَاعَةَ فَقَتَلُوهُ فَعَدَتْ خُزَاعَةُ عَلَى بَنِي الْأَسْوَدِ وَهُمْ سَلْمَى وَكُلْثُومٌ وَذُؤَيْبٌ فَقَتَلُوهُمْ بِعَرَفَةَ عِنْدَ أَنْصَابِ الْحَرَمِ هَذَا كُلّهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ فَلَمّا بُعِثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَاءَ الْإِسْلَامُ حَجَزَ بَيْنَهُمْ وَتَشَاغَلَ النّاسُ بِشَأْنِهِ فَلَمّا كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ وَقَعَ الشّرْطُ أَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ فَعَلَ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَعَلَ فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ فَلَمّا اسْتَمَرّتْ الْهُدْنَةُ اغْتَنَمَهَا بَنُو بَكْرٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَأَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ الثّأْرَ الْقَدِيمَ.

.خُرُوجُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ لِطَلَبِ النّصْرَةِ مِنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم:

فَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيْلِيّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَبَيّتَ خُزَاعَةَ وَهُمْ عَلَى الْوَتِيرِ فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رِجَالًا وَتَنَاوَشُوا وَاقْتَتَلُوا وَأَعَانَتْ قُرَيْشٌ بَنِي بَكْرٍ بِالسّلَاحِ وَقَاتَلَ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قَاتَلَ مُسْتَخْفِيًا لَيْلًا ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْهُمْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى وَمِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ حَتّى حَازَوْا خُزَاعَةَ إلَى الْحَرَمِ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ يَا نَوْفَلُ إنّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ إلَهَك إلَهَك. فَقَالَ كَلِمَةً عَظِيمَةً لَا إلَهَ لَهُ الْيَوْمَ يَا بَنِي بَكْرٍ أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ فَلَعَمْرِي إنّكُمْ لَتُسْرَقُونَ فِي الْحَرَمِ أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ؟ فَلَمّا دَخَلَتْ خُزَاعَةُ مَكّةَ لَجَئُوا إلَى دَارِ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ وَدَارِ مَوْلًى لَهُمْ يُقَالُ لَهُ رَافِعٌ وَيَخْرُجُ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيّ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ:
يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا ** حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا

قَدْ كُنْتُمُ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدَا ** ثُمّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا

فَانْصُرْ هَدَاكَ اللّهُ نَصْرًا أَبَدَا ** وَادْعُ عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا

فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ قَدْ تَجَرّدَا ** أَبْيَضَ مِثْلَ الْبَدْرِ يَسْمُو صُعُدَا

إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبّدَا ** فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدَا

إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا ** وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكّدَا

وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رَصَدَا ** وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تَدْعُو أَحَدَا

وَهُمْ أَذَلّ وَأَقَلّ عَدَدَا ** هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدَا

وَقَتَلُونَا رُكّعًا وَسُجّدَا

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «نُصِرْتَ يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ» ثُمّ عَرَضَتْ سَحَابَةٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ «إنّ هَذِهِ السّحَابَةَ لَتَسْتَهِلّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ» ثُمّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ وَبِمُظَاهَرَةِ قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ ثُمّ رَجَعُوا إلَى مَكّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلنّاسِ كَأَنّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ وَقَدْ جَاءَ لِيَشُدّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الْمُدّةِ. وَمَضَى بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي أَصْحَابِهِ حَتّى لَقُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بِعُسْفَانَ وَقَدْ بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشُدّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الْمُدّةِ وَقَدْ رَهِبُوا الّذِي صَنَعُوا فَلَمّا لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ قَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت يَا بُدَيْلُ؟ فَظَنّ أَنّهُ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ سِرْتُ فِي خُزَاعَةَ فِي هَذَا السّاحِلِ وَفِي بَطْنِ هَذَا الْوَادِي قَالَ أَوَمَا جِئْتَ مُحَمّدًا؟ قَالَ لَا فَلَمّا رَاحَ بُدَيْلٌ إلَى مَكّةَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَئِنْ كَانَ جَاءَ الْمَدِينَةَ لَقَدْ عَلَفَ بِهَا النّوَى فَأَتَى مَبْرَكَ رَاحِلَتِهِ فَأَخَذَ مِنْ بَعْرِهَا فَفَتّهُ فَرَأَى فِيهَا النّوَى فَقَالَ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَ بُدَيْلٌ مُحَمّدًا.